RSS

Category Archives: غير مصنف

شهداء الزارة

ليلة البارحة، ازدحمت سماء الزارة بأرواح النساء والأطفال.. تلك الأم كانت تمسك رقبة ابنها المذبوحة، بأصابعها الخشنة، وتحاول أن تغلق الجرح. التراب الذي تغلغل في شقوق يديها منذ البارحة، تسلل إلى شرايين ابنها، وسمعت عبر المكبرات ضباط الجيش يقولون: لقد اختلط دمهم بتراب الوطن!
بدأت الغيوم تتلاطم، وفقدت ابنها، وتذكرت الطفل الكردي إيلان، الذي غرق هرباً من قصف ” النظام”..”الإرهابيين”؟ تمد يدها اليسرى لعينيها كي تمسح الدم وتفتحهما،  لتتأكد ممن قصف إيلان، ثم تقول بنفسها: الله يرحم كل ولاد العالم.
يرتطم جسد الابن المذبوح، بجسد طفل آخر أزرق يدير وجهه للغيوم المتلاطمة، ومؤخرته للأرض. يخرج الدبوس الذي وجده في طريق القرية، وخبأه ليعطيه لأمه. يغرزه بين طرفي رقبته المذبوحة، ويتأكد أنهما التصقا، ثم يسأل الطفل الأزرق، عن هذا المكان الغريب. ينظر إليه الطفل الأزرق باستغراب، ويقول له: تشاوايي! يحاول أبا دبوس الهرب، ويقول للأزرق: أنت كردي، لاتتكلم بياخدونا لبيت خالتنا. يبتسم الطفل الأزرق، ويخرج من جيبه علم كوردستان ذو الشمس الساطعة ليضمد له جرحه و تلمع نجوم علم الثورة الثلاثة، في يده الصغيرة.
هؤلاء المتجمهرون في الأرض، يرقبون تلك الظاهرة الفلكية الغريبة الشمس وثلاث نجوم في آن واحد. يحييون الرئيس، لأنه بركاته وصلت للسماء!
يأتي صوت الأم من بعيد، وهي تسأل عن ابنها وقطعة قماش تستر بها شعرها، فربما ذبحوها لأنها لم تغط شعرها. يخلع ابنها قميصه، ويعصره، تتساقط الدماء، فوق قصر المحافظ، فيجري اتصالاً هاتفياً مع قناة سما ويخبرهم أن الملائكة تبكي دماً حزناً على شهداء الزارة.
يلف الطفل رأس أمه بقمصيه المدمى، ويزيل الدبوس من رقبته ليثبت طرفي الحجاب، وقبل أن يعود للموت مرة ثانية، ينظر للأزرق ويقول له: أوعدني نخبر الله بكلشي..

image

image

 
أضف تعليق

Posted by في 13 ماي,2016 بوصة غير مصنف

 

سبعة نيسان

أنهض من الفراش على صوت أخبار السادسة والربع الخاطفة، ورائحة تبغ أبي الذي يعج بالمكان. عندما أنتهي على مضد من تنظيف أسناني، يأتي صوت فريال أحمد تمام الساعة السادسة وخمس أربعين دقيقة، ومرحباً ياصباح. الشرائط الملونة التي تضعها أمي حول جدائلي، تجعلني أبدو كمهرج يحول عينيه، ويمد لسانه للحاضرين…اللعنة تكاد أسناني تقطع لساني، لابد أنني أختنق، بسبب ذاك الفولار الأورنج، والجوزة الخشبية. وخزات حبسات الشعر السوداء، وهي تحاول عبثاً أن تثبت ” السيدارة” منتصف رأسي تماماً، لا يميناً ولايساراً، بالمنتصف. صور حافظ الأسد تملأ جدران المدرسة، وقصاصات ورقية تحمل صوره، معلقةً في أرجاء المكان، عبر خيوطٍ طويلة. يلتصق فم حافظ بجبينه كمسخ، ثم تتكور عينه كجني، وتنثني أذنيه كقرد، إثر تلاعب الهواء بقصاصات الورق. تمر الست ساعات الدراسية على عجل، ونصطف كالنعاج في باحة المدرسة. يطلب المدرسون من الطلاب الأوائل أن يحملوا عصى خشبيةً شاهقة كالخوازيق، يتربع فوقها حافظ الأسد. لقد أقبل أستاذ اللغة العربية ووقف أمام الجموع الغفيرة، وبيده ورقة بيضاء يلقي ماكتب بها.
” حزب البعث العربي الإشتراكي(تصفيق) هو الحزب القائد(تصفيق) للدولة والمجتمع، بقيادة الرئيس الخالد(تصفيق) حافظ الأسد (تصفيق قوي جداً مع دموع تتطاير من شدة الفرحة)” ينهي الأستاذ جملته الأولى ممتعضاً من التصفيق لكنه لايجرؤ أن يبوح بذلك.
” لقد مر الوطن العربي بالكثير من النكبات(تصفيق) إلا أن القائد الخالد (تصفيق) حافظ الأسد (تصفيق قوي جداً ترافقه دموع عفوية) كان الأجدر بقيادة دفة المجتمع فكان 7 نيسان(تصفيق) يارفاق ميلاداً لحزب البعث العملاق(تصفيق) وثأراً لنكبة 48 (تصفيق). يزيح الأستاذ الورقة بغضب، ويخاطبنا” ياجحاش، لابقى تصفقوا، بس بدي ياكن تصفقوا أرفع سحاب البنطلون”.
طوبى لبعث لايحتفى به إلا برفع سحاب البنطلون!

 
أضف تعليق

Posted by في 7 أفريل,2016 بوصة غير مصنف

 

دعارة في بلاد الأسد

عام 2000، حصلت على الشهادة الإعدادية، وكان لابد أن أزور مديرية التربية حتى أحصل على الشهادات مصدقة وكشف العلامات.
استيقظت أمي يومها باكراً، وبعد أن جهّزت فنجان القهوة لوالدي، طلبت مني أن أجلس أمامها كي تضفر لي شعري. مثل كل الفتيات القلائل اللاتي سقطن سهواً من فرض الحجاب في القرية، كنت أحب أن أنثر شعري الأشقر الطويل، ولا أرغب بجدله أبداً. أما أمي فكانت من شدة حبها لي ولإخوتي، تدعنا نتصرف مايحلو لنا مالم نتجاوز عتبات التنبيه الأخلاقية كما كانت تسميها. لم تمانع أمي يوماً أن أفرد شعري وأنا ألعب مملكة أو ست بيوت مع بنات الجيران، ولاعندما كنت أذهب لأشتري سطل لبن، من دكان عمي خليل الذي يقع بآخر القرية، لكنها ذاك اليوم أصرّت أن ترفع لي شعري “ذنب حصان” وتجدله ثم تلفه على شكل كعكة. لم أفهم تماماً إصرار والدتي، لكني لطالما وثقت بكل قراراتها. بعد أن انتهت أمي، وقبل أن نغادر طلبت مني ألاّ أفلت من يد أبي مهما حصل وأن أتمالك نفسي حتى أعود للمنزل ولاأدخل مراحيض دائرة التربية. صدقاً شعرت برهبة وكدت أرفض الذهاب، فكأني ذاهبة لمقصورة دعارة لا دائرة تربية. حقيقةً كون أمي معلمة فإنها كانت تعرف كل الموظفين والموظفات في دائرة التربية ولم تكن تشك بأخلاق أحدهم بل ببعض رواد الدائرة، فضلاً عن أنها كانت تعتقد أن المجتمع خارج بيتها هو ماخور كبير ومستنقع موبوء. عندما وصلت للدائرة، رحب الموظف بوالدي ترحيباً منقطع النظير، وأدركت وقتها أن الموظف كان طالب والدي في المرحلة الثانوية. طلب منا الموظف أن نجلس في مكتبه الذي يتشاركه مع خمس موظفين وموظفات، ريثما يطبع لنا الشهادات ويصدقهم. على الطاولة المقابلة، كانت الموظفة تحفر الكوسا، وتحشر سماعة التلفون الرقمي” أبو قرص” بين رقبتها اللاحمة وكتفها العريض، وتطق بعلكتها بأصوات متتالية مزعجة. بعد ربع ساعة من الإنتظار، تسللت للغرفة رائحة عطر “هاواي” الذي كانت تستخدمه العرائس في قريتي، ومجرد أن تشتم رائحته، تشعر بأن ثمة جموح جنسي يجتاح المكان. تلت الرائحة دخول سيدة مرسومة رسماً بجميع ألوان المكياج الأحمر والأخضر والأسود، تضع إشارباً ملوناً يغطي نصف شعرها فقط، أثار دخولها الغرفة ضجيجاً ربما لم يكن ضجيجاً مادياً لكني بسذاجة مداركي شعرت بفوضى تقتحم عالمي الصغير، وكدت أشعر أن قلبي سيقفز من صدري من شدة اضطرابه. كانت أول مرة أرى فيها إمرأة متبرجة على أرض الواقع، تشبه مذيعات القناة الأولى والثانية ذوات غابات السافانا فوق عيونهن وأقراص البندورة على خدودهن. اقتربت من طاولة الموظف بجانب الباب، وقالت له: ولاه كيف بفوت ومابتوقفلي، لعمى ضربك! ارتسمت ابتسامات خبيثة على أفواه الحاضرين، وأجابها الموظف: “لك أنا كلي من راسي لرجلي بوقفلك يارويدة” مع تشديد حروف الكلمة الأخيرة وسط سهسكات الحاضرين.  طلب مني والدي أن أخرج للشرفة لأقف معه ريثما يدخن سيجارته. ارعبتني كلمة ” الوقوف” تلك وكانت المرة الأولى التي أدرك دون أن أفهم المعنى أن للكلمة دلالات أخرى. بحت لوالدي فوراً عن مخاوفي وقلت له: ” بابا أنا خفت من هالمرأة وعصني قلبي لما قلتلي وقفي معي”. وضع أبي يده على كتفي وشرح لي أن معنى كلمة وقف في القاموس، وأنها تحمل ذات المعنى عندما يقف جرير على الأطلال ويقول ياحبذا جبل الريّان من جبل وحبذا ساكن الريّان من كان. كنت أحب تلك القصيدة، وبلحظات وجدت نفسي أروي لوالدي كيف حفظت القصائد ومقرر اللغة العربية حتى حصلت علامة 59 من أصل 60. لقد كانت حيلة جيدة من والدي لتخفيف توتري، و بالمناسبة لاأعرف حتى اللحظة أين ذهبت تلك الدرجة المتبقية! عندما عدنا إلى الغرفة لم نجد تلك المرأة المتبرجة، وعلمت وقتها أنها معلمة بإحدى المدارس وأنها تملك بيتاً تشغّل فيه البنات اليتيمات. لم يشأ والديّ أن يتحدثا عن هذه الحادثة أو تلك المرأة، وغيرا كل المواضيع المرتبطة بأسئلتي حول تلك الحادثة. أكملت دراستي، وحصلت على الشهادة الثانوية، وانتقلت لجامعة حلب كي أكمل دراستي. اضطررت في السنة الأولى أن أسكن في السكن الجامعي، في الوحدة السكنية الرابعة تحديداً. تحت الوحدة السكنية، كانت هناك حديقة تحيطها أشجار ضخمة، تفي بغرض إخفاء كل من بالحديقة عن الشارع المجاور ومدخل المدينة الجامعية، لكنها لم تحجب الرؤية عن نوافذ الوحدة الرابعة. كانت الطالبات تمازحن بعضهن، وتلمحن إلى فيلم السهرة لايف على القمر الأوروبي في تلك الحديقة. نعم لقد رأيت بأم عيني مالم أتوقع أن أشاهده في “حَرَمٍ جامعي” لايبعد عن مفرزة الأمن الجامعي إلا خطوات فقط. معظم الزوار لم يكونوا طلاباً جامعيين بس نساء ورجال أربعينيين على الأغلب، وطالما رأيت عنصر الأمن يتلصص ويسترق النظر من بين الأغصان سراً كي لايفسد عليهم الجو ومتعته الخاصة. منذ ذلك الحين وأنا أيقن تماماً أن هناك داعرٌ كبيرٌ في سوريا يسمى حافظ الأسد جعل من تلك المرأة معلمة أجيال ومن السكن الجامعي ساحات جنس على الهواء مباشرةً.

 
تعليق واحد

Posted by في 6 أفريل,2016 بوصة غير مصنف

 

على حب الوطن لازم أقاتل

على حب الوطن لازم أقاتل

طقطقة مطر على زجاج النافذة، وخفقات قلوب الحمائم الصغيرة التي أكاد أسمعها داخل  الأجساد النحيلة التي ترتجف من شدة البرد، فتأوين إلى الحافة. لاشيء يدفئ هذا المكان إلا فنجان قهوتي الساخن، وأنا ألتمس كل زاوية فيه بحثا عن دفئ، ولاشيء يدفئ هذه البلاد سوى دعاء الشكر الذي يتمتمه سكان هذه المدينة قبل تناول وجبات عشائهم. باردون هم هؤلاء الناس في كل شيء إلا بصلواتهم، ومتقدون نحن في كل شيء إلا في صلواتنا. ربما هذه أولى الأمور التي تزامن طرقها على أبواب دماغي، حبات المطر الدائم. كنت قد أخبرت جارتي الهولندية أن أمي توصيني كل صباح بقراءة الأدعية فهي تظن أنها الشيء الوحيد الذي يحميني بالغربة، فسألتني بعفوية إن كنت أصلب عند قراءتها، ابتسمت وأجبتها لاحاجة لذلك يكفيني أن أشعر بها بداخلي. أؤمن جيدا أن صوت أمي هو كفاف يومي وغدي، وأن تلك الأدعية هي زادي وزوادتي للآخرة.  أحاول كسر ذاك الصمت المؤلم، وأستمع لأغنية ترد فيها جملة :” وطن حبك بروحي أفديه، على حب الوطن لازم أقاتل”، مترجمة لجارتي المعاني للغة الإنكليزية، فتطلق تنهيدة طويلة بعثرت ذرات الغبار المتكدسة على حافة نافذتي.

” كم العرب محظوظون لحجم الحب الي يملكون داخلهم، و استعدادهم لمحاربة الجميع لأجله، تعيسون هم الأوروبيون فالسلم المتواصل بلد مشاعرهم، وأصبحوا يعانون من سلم سلبي. لم تسمون الحبيب أو الحبيبة وطن؟ كيف يصبح وطن؟ وكيف تقاتلون لأجله؟” تقول جارتي.

الحبيب ليس وطن، لكنه  شيء يصعب العيش بدونه، والتنفس بدونه، والضحك بدونه، وقطف الورد بدونه، وسماع المطر بدونه، أما الوطن فهو خلاصة حب ألف محب، والقتال لأجلهما هو معركة وجود.

 

 
أضف تعليق

Posted by في 31 مارس,2016 بوصة غير مصنف

 

تجاعيد

أنظر ألف مرة في المرآة إلى التجاعيد التي بدت تظهر تحت عيني، أو ربما كانت منذ خمس سنوات لكني لم أرها، أحاول أن أشدها بأصبعي نحو الأعلى إلى طرفي عيني، فأبدو كدراكولا الذي كنت أخافه في صغري، فأسخر من هذه الصورة وأبتسم. تتقلص الإبتسامة بعد ثوان وأشعر بغثيان معتقل بعد وجبة طعام مملوءة بالدود، أعود إلى هذا العالم الغريب، لأقرأ الكثير من الأخبار عن مغيبين ومخفيين وشهداء. تمر من بين المنشورات صور لصديقات، أهرول نحو الصورة (حتى أنني بدأت أشك بميولي، فنادرا ماأنظر لصورة شاب)،  أزوم الوجه وأنظر تحت أعينهن، وابتسامتهن، فالإبتسامة العريضة،تحفر خنادق حول العين. أقول في نفسي بعد المرة العاشرة من الزوم، أنهن لابد يستخدمن خافي عيوب، أو أنهن يستخدمن ميزة الوجه الطفولي بالكاميرا الأمامية. لقد أصبحت أكره هذه الميزة وضبطت كاميرا موبايلي على الدرجة صفر. أنا أكره الكذب والخداع حتى في الصور. أجلس في الليل مع نفسي وأفكر لم أفكر بهذه السخافات وأدرك أنني كنت مشغولة طيلة الخمس سنوات بالثورة وما ومن فيها، أما اليوم فأحاول أن أجاري مجتمع لا يعرف إلا القليل عن ثورتي. لقد سخرت مني صديقة هولندية، حين قلت لها أني نسيت كيف تضع النساء الأيلاينر، وكيف تطول الأظافر، التي تستجير من القضم. أحسست بالذنب بسبب سفري، وودت لو أعود الصبي ( أبو عبدو) كما يناديني أصدقائي بسوريا، فقصصت شعري كالصبية، لكني لم أرض عن نفسي. أشعر أني منهكة من هذه الثورة، وأعشق تعبها، أتمنى لو أنها لم تتملكني يوما بقدر ماأتمنى لو أنها أطبقت علي بين ضلوعها وتركتني في سوريا للأبد.

 
أضف تعليق

Posted by في 18 أكتوبر,2015 بوصة غير مصنف

 

بلد كله ملوك

كلهم سادة، كلهم ملوك، كلهم كانوا أصحاب عقارات وسيارات، حتى أنني ظننت أني من دولة أخرى أو عالم آخر. هكذا هم السوريون في المهجر، عزة نفسهم وهوانهم على الناس يدفعهم إلى التعويض عن ذلك بالتباهي بعقاراتهم وسياراتهم قبل قيام الثورة. في أحد الأحاديث كان أحدهم يسرد للرعية عن سياراته الأربعة المصطفة أمام منزله، وحسابه البنكي المكدس، وأراضيه الواسعة،  أخجل أنا أن أتكلم عن سيارتي   toyota echo  الحمراء المسكينة و أقاطع الحديث ببلادة، وأسأله ليش الأخ كان يشتغل حرامي دولة مثلا؟ أو ضابط؟ أو مدير دائرة؟ إذا هيك لنخبر الكوا أي إدارة الكامب!
إحداهن، كانت تلعن أوروبا لأنها لاتستطيع شراء الماركات أو الثياب الجديدة لشدة غلائها وأنها كانت ترتدي أفخم الماركات قبل الثورة، حيث أنها كانت تشتري الحقيبة بعشرة آلاف ليرة سورية. أقاطعها أنا وأسألها: مدام شو كانت وظيفتك؟ حرامية دولة مثلا؟ أو بنت ضابط؟ أو شو بالضبط؟ أي أنا كنت محاضرة بالجامعة وراتبي هالقد وماكنت أشتري الشنتة بهالسعر. في الحالتين وحالات أخرى كثيرة أكون أنا مرتدية جاكيتي الرمادي الذي أشتريته (من حر مالي والله) ب2 يورو من السيكوند هاند القريب من الكامب. أذكر ذات مرة أن إحداهن قالت لي: ألم تكوني إحدى وجوه المعارضة البارزة؟ أيعقل أنك لا تمتلكين النقود لشراء ثياب جديدة؟! أجبتها أنا: ليش شايفتيني بنت أمير بالنصرة أو قائد كتيبة بالجيش الحر، أو حرامية معارضة مثلا!
كل قاطني تلك الدولة بيكوات ياربي ألا يوجد فيها معترين ودراويش متلي!

 
أضف تعليق

Posted by في 18 أكتوبر,2015 بوصة غير مصنف

 

مخفر كوسداسي

لقد أشرقت الشمس أخيراً، نهضت ألملم ستر النجاة التي كنت أنام عليها علها تقيني من برودة البلاط، وطفلةٌ عراقية بجانبي تتقيأ من شدة البرد. نظرت حولي بسرعة خوفاً من رؤية أحد الشبان لي وأنا أستيقظ ووجهي يضرب أخماسه بأسداسه وأحد ساقي بنطالي مرفوع حد الركبة والآخر متدلي كأذني كلب. أتى من بعيد شرطي جلف لم يتوانى أن يدوس ستر النجاة بقدميه وكأن من سيرتديها صعلوك قذر لا يأبه لنظافة لباسه. طلب منا جميعاً أن ننهض خلال عشر دقائق، بصراخ باللغة التركية التي أكره، وكأن حكم ” العصملي” عاد من جديد. هرول الشباب إلى الحمامات، يحاولون إخفاء ماتيسر من عوراتهم..هه في هذا البلد الإسلامي لا ضير أن يرى الرجل ركبة إمرأة أو ترى المرأة عورة رجل. قادونا جميعاً خارج المبنى والكل يهمس متسائلاً عن مصيرنا. قال أحدهم: سيسلمونا للنظام السوري وتنطع آخر بعلمه بإتفاقية برلين، فقاطعه رجل خمسني من بعيد قائلاً: ياجحش تركيا مو داخلة إتفاقية برلين. جن جنون الرجل وراح يزبد ويرعد وهمّ بترك صفه والعودة خلفاً كي يضرب الرجل، حينما صرخ الشرطي: أدبسيس، شرفسيس ، كال… وأشار له أن يعود لمكانه. دخلنا لمبنى آخر وطلبوا من كل واحد أن يبصم إلكترونياً والتقطوا لنا صوراً كأننا في غوانتانمو، وكتبوا لنا أرقاماً على كفوفنا، كان رقمي 65، ثم وضعونا في سيارة وقالوا لنا أنهم سينقلونا إلى مكان آخر في أزمير. يااااه كم كان عذباً شعور عبور الباب الحديدي، هواء نظيف، وصوت سيارات، ونساء يرتدين المايوه، وأطفال يأكلون البوظة. هذه اللحظات مسكرة، مخدرة تمكنك من تحمل الذل لساعات طويلة. بدأ بعض الشبان ممن يتكلمون بعض الكلمات التركية بسؤال السائق عن مصيرنا، وكان يجيبهم أنه سينقلنا إلى مكان آمن في تركيا، يقطع ثرثرتهما سباب رجل بآخر السيارة. عندما وصلنا لأزمير طلب منا السائق أن ننزل جميعاً ونرحل، وكأنه لم يخبرنا قبل قليل أنه سينقلنا لمكان آخر، تذكرت حينها ما أخبرني به عمي عن النظام السوري و أسلوبه بالتعامل مع المعتقلين وأنه “مفضل على اللي خلفهم” حتى في حريتهم. نزلنا وركضنا بسرعة دون أن ننظر للخلف، كل مااستطعنا فعله أن نفتح أيدينا للهواء كي لايزال الرقم بسبب التعرق، فالرقم في تلك البلاد صك براءة. وعدنا من جديد إلى ساحة بصمنة.
يتبع….

 
تعليق واحد

Posted by في 10 سبتمبر,2015 بوصة غير مصنف

 

ساحة بصمنة

ساحة بصمنة
5/8/2105
كيوم الحشر اجتمع الناس في حدائق مدينة أزمير وعلى الأرصفة وفي الشوارع يحملون حقائب سوداء توحي للناظر بظلمة الأيام الي دفعت بهم أن يحملوا وطنهم فوق ظهورهم ويمضوا. وجوه شاحبة كمساءٍ عقب مجزرة، لاشيء يقيتهم سوى وعود السمسار الكاذبة. هناك، يقيّم الآدمي كراكب بلم أو يخت، وماأدراك مااليخت، قارب خشبي مخصص لتحسين شروط الموت. حول أولئك المساكين تطوف ثلةٌ من عبّاد اليورو، كمن سلخَ ضحيتهم وراح يطوف حولها. يالسعدي، لقد وجدت سمساراً قال أنه لم يسبق أن ماتَ معه سوى خمسة أشخاص، هه كدع والله!
لكن لابد من مكتب تأمين، من أجل الحلال والحرام. في مكتب التأمين تشعر أنك في سوق نخاسة، نخاسة من نوع آخر يتساوى فيها الرجال والنساء، نعم لطالما طالبنا بالمساواة. لقد حان موعد الذهاب للنقطة، وأنحشرنا 45 شخصاًفي فان معد لسبعة أشخاص، وقد أخبرنا السمسار أنّ النقطة تبعد 10 دقائق فقط. مضت الساعة الأولى ولم نصل، وعرق الرجال يكاد يخنق المكان وصعوبة تنفس الأطفال تشعرك كأنك ذاهب لفرع فلسطين. أما أنا فكنت محظوظةً أنتي بقرب النافذة الصغيرة، فهناك أستطيع التفس قليلاً. في آخر الفان طفلة ذات أربعة أعوام تشهق آخر أنفاسها، طلبت من والدتها أن تجلسها بحجري،لقد كانت ثقيلة، لدرجة أن خدراً أصاب قدميّ. لاحَ لي من بعيد سيارة بوليس، تقترب مننا، وماهي إلا دقائق حتى أوقفتنا وساقتنا للمخفر. رمونا جميعاً في غرفة واحدة دون طعام أو ماء، وراح بعض العراقيين يسألون السوريين عن أسماء المناطق السورية كي يدّعوا أنهم منها. لم تكن هناك أية وسيلة للتفاهم بيننا وبين البوليس، إلا بعض الكلمات التركية. بعد سبع ساعات أحضروا أوراقاً تحوي صوراً لأناس لانعرفهم وطلبوا مننا أن نوقّع … وقّع الجميع إلا أنا وطلبت منهم أن يترجموا لي ماكُتب. بدأ الشرطي بالصراخ وتهديدي مشيراً إلى القبو السفلي أي أنه سينقلني إليه، تراجعت، شعرت بالخوف، ثم عاودت سؤاله عن مترجم. بعد ساعة فتح باب غرفة الحجز رجل أربعيني، نظر إلينا كأننا حشرات متطفلة وقال: بدكن حريي؟ ماكان عاجبكن بشار الأسد ماهيكي؟ خليكن تموتوا هلق. لم ينبس أحد ببنت شفه، فتقدم مني وراح يشرح لي ماكتُب. الصور كانت لتجّّار مخدرات وأصحاب سوابق، لا يملكون دليلاً ملموساً يدينهم، فوجدونا “لقطة” لنشهد قلت له لن أوقع قال إذن ستبقين هنا لشهر أو شهرين. كنت جبانة أكثر منا توقعت فوقعت وأنا ألعن نفسي ألفَ مرّة وفي مخيلتي صورَ آلاف المعتقلين في سجون النظام. في تلك اللحظات كانَ أكبر أحلامي باب غرفة الحجز .. لا أكثر!
وتذكرت حملة لأصدقائي الفيسبوكيين بعنوان ” شكرآ تركيا”!
يتبع

 
أضف تعليق

Posted by في 10 سبتمبر,2015 بوصة غير مصنف

 

سوا ربينا

سوا ربينا

أم علي، المرأة الريفية التي اضطرت أن تنزح من قريتها إلى لبنان بسبب الحرب،  لديها شابين، علي الذي يبلغ من العمر أربعاً وعشرين عاماً ومحمد ذو الستة عشر عاماً. جلست على باب المخيم تراجع في ذاكرتها المهترئة كأحد جواربها، شريط النزوح، وهي تنظر إلى الإصبع الكبير في رجلها اليمنى ، وهو يخرج من جوربها وكأنه يلعب ” الغميضة”  فترتسم على شفتيها ابتسامة صفراء بين المأساة والأخرى. كان ليلةً ظلماء حالكة حينما دخل علي مسرعاً وطلب من أمه أن تحمل ما تستطيع من أوراقهم الثبوتية ليغادروا القرية بعد ساعةٍ فقط. وقفت أم علي في المطبخ، وراحت تدور حول ذاتها كالدجاجة “المنتوفة”، لا تعرف  ما تحمل وما تترك. بعد أن انتهت من تحضير الأوراق وبعض الثياب، نظرت حولها لتجد بقجة تضعهم فيها، لكن شدة الظلام وانقطاع الكهرباء منعاها من إيجادها.

أخرجت أم علي من صدرها، علبة كبريت لتوقد نوراً خفيفاً ينير لها ما تيسر من طريقها، فلم تجد سوى عود ثقاب واحد، فأشعلته بينما فتحت خزانة الملابس التي تركن في الحائط. كان أول ما وقع نظرها عليه هو شماغ زوجها المرحوم أبي علي ومر أمامها طيفه وهو يقول: يا فطينة هذا الشماغ أمانتك، فيه ناموسي وشرفي، وقد اشتريته بثلاات ريالات من السعودية، لا تستخدميه إلا بالمحن” . ربما لم يسعف ذكرياتها عود الثقاب ،انتهى حتى وصل لطرف إصبعها فأحست بالوخزة.

حملت الشماغ، وهي تتمتم في سرّها وتشتم أمراء الحرب لاحتكارهم الوقود وجعل أيام الشعب سوداء، لكنها سرعان ما تلفتت حولها، وطرقت بأصابعها على الجدران، علّ إصبعها تدخل بآذانهم، لكنّ محاولتها الفاشلة أسعدتها، وتأكدت أن الجدران أصبحت صمّاء، بعد أن مزّق الرصاص غشاء الطبل.

فردت أم علي الشماغ، ووضعت الأغراض فيه، وهي تقول في سرّها: ” سامحني يا أبا علي، لم يبقَ أسوء من هذه الظروف التي أستعين بها بشماغك”. مشت الأم مع ولديها في طريق برّي متعرج، حتى باغتهم صوتٌ قريب: توقفوا وإلّا سأطلق النار”.. حاولت أن تفتح أم علي عينيها أقصى ما تستطيع عندما اقترب منهم طقم من الأسنان البيض، ومقلتين تلمعان. ضحكت أم علي عندما أصبح أبو أسنان قريباً منهم وقالت له: أنت من السودان؟ فأجابها الملثم: لا والله من زمبابوي، ضعي هذه الأغراض جانباً، وأعطوني هوياتكم.

نظرَ الملثم إلى الهويات وقفزَ كالجني وهو يصرخ: أنتم شيعة؟ وأشارَ إلى بقية الملثمين أن يقودوهم للذبح. جذبت أم علي ابنها خلف ظهرها وصرخت في الملثم وقالت: ” لا يا ابني نحن سنّة والله ، أنظر فقط إلى هوية أخيه اسمه محمد، وقريتنا تبعد كيلو مترين من هنا، ومختارنا هو أبو سعيد”.

مضت الأم مع ولديها هي تمتم في سرّها وتشتم السواد، والأسنان البيضاء، ثم طفقت تضحك وهي تتذكر منظر الأسنان والمقلتين. بعد ميلين، لاح لهما حاجزُ آخر ترفرف على سارية قريبة منه أعلام صفراء. بلدُ بكل ِ ألوان الطيف وكأنه علبة المكياج التي أهداها إياها زوجها يوماً فاختلطت الألوان فيها حتى أصبحت كهذا الوطن.

” أعطوني الهويّات، وقفوا جانباً” قالها الضابط ذو الشاربين الغليظين والعصبة الصفراء فوق جبينه، التي تكاد أن تُخرج عينيه من مكانهما. لقد بدى منظره مضحكاً وكأنه صوص مخنوق، لكن أم علي كتمت الضحكة في سرها. أخرجت من البقجة هويتها وهوية ابنها علي وأعطتهما للضابط.

” فطينة الحمد، مممم، أنتم سنّة أليس كذلك؟ تعال أنت وخذهم من هنا” . ارتعدت فرائص أم علي، التي أنهكها طول المسير، وقال للضابط: يا سيدي، نحن علوية الله وكيلك، ألم ترى أن اسم ابني علي، وكما تعلم أن العلوية والشيعة من فخذ واحد”. نظر إليها الضابط باشمئزاز وقال لها: ” لا ليسوا من فخذ ولا صدر، نحن الدجاجة بأكملها، لكن سأدعكِ هذه المرّة تعبرين بسلام…. قبل أن تذهبوا أين هوية ابنك الثاني، أخشى أنّ اسمه عمر”!

” لا لا يا سيدي اسمه محمد… أقصد حسين، لكن الإرهابيين أحرقوا بيتنا وذهبت معه هويته”. بعد مسير ثلاث ليال متتالية وصلت العائلة إلى البقاع في لبنان الشقيق، فوجدت أم علي نفسها بغرفة واحدة مع خمسين عائلة، وكادت تختنق من رائحة العرق. في زاوية الغرفة جلس طفلٌ صغير يدمدم ” سوا ربينا، سوا مشينا، سوا قضينا ليالينا”، فأشاحت وجهها وهي تتمتم ” لعن الله هذه التربية التي أوصلتنا إلى هنا”.

 
3 تعليقات

Posted by في 30 جوان,2015 بوصة غير مصنف

 

حقوق القطط في بلد الرجال المغتصبة

في إحدى المقاهي الرخيصة ، القابعة بآخر أزقة تلك المدينة، جلست إيمّا تتنظر قدوم صديقتها التي لم ترها منذ خمس سنوات. خمس سنوات مضت وكأنها عمر بأكمله فقد تغير كل شي وأصبحت إيمّا لاجئة كأفضل مايقال عنها. كان كرسي  الخشب غير المتماسك، يهتز تحت إيمّا وتشعر أنها ستهوي من فوقه بعد لحظات لتركن بحضن رجلٍ آخرٍ يجلس خلف طاولة مجاورة. إرتعدت قليلاً وشعرت بأن قشعريرةً ما سرت بجسدها كله، وتسللت لأنفها رائحة القبو العاتم النتن بفرع فلسطين، ومحقق يناديها بعرعورية عاهرة. كانت تود وقتها أن تخبره ألا يكرر هذه الكلمة، بل أن يقول عوضاً عنها ” عاملة جنس”،  فقد دافعت عن حقوق المرأة وهذا المصطلح  بالذات حتى وصلت إلى هنا. تحشررائحة الشاي بيد النادل نفسها بين كل أكوام العفن… تفضلي الشاي مدام، يضع شابُ حليقٌ الشاي بكل هدوء، ويهم بالابتعاد عن الطاولة .

– أنا لست مدام، أنا مازلت آنسة، كيف لكَ ياهذا أن تناديني بذلك؟

كان دوي الخبطة التي أصدرتها كفُ أيمّا لدى ارتطامها بالطاولة، كفيلٌ أن يطيّر أعقاب سجائر زائر سابق والرماد المتبقي  في المنفضة، ارتفعت جميعها قليلاً ثم بدأت تتناثر هنا وهناك دونما إتساق، لتتساقط فوق رؤوس النملات اللا تي تسرن بنظام منضم نحو كأس الشاي. لذّةُ المشهد، خطفتْ عيني أيمّا وعقلها، ونست تماماً ماكانت تقوله للنادل.

ترشفُ إيمّا الشايَ المتبقي، وتنظرُ للشارع المقابل فتأتي من بعيد رائحة عطرٍ مميزّة، تننقلك لعالم أبيض آخر قبلَ أن تعرف ماركته، لقد أتت تلك الصديقة بعد طول انتظار. ترتبك إيمّا من حسنِ هذه السيّدة التي لم ترها منذ زمن سوى ببعض صورها الشخصية على صفحة الفيسبوك، تقفُ، وتمسح يدها اليمنى بمئزرها قبل أن تصافح السيّدة.

– كيف حالكُ إيمّا؟ مضى زمنٌ منذ آخر مرّة التقينا ببكداش بسوق الحميديّة…منذ خمس سنوات تماماً.

– أنا بخير الحمد لله.. تخرجُ الكلمات من ثغر إيمّا اليابس كمن يتناول الريتان لتخفيف حب الشباب.

تخرجُ السيّدة من حقيبتها، باكيت كنت أنيقة، وتدسُ أناملها بحثاً عن ولاعة… لا بدّ أنّي نسيتها في السيّارة، ياربي لا أريدُ أن أمشي كل تلك المسافة لأصل السيّارة، ألم تجد مقهى بغير هذه الأزقّة؟

– هاااه، بلى بلى يوجد، لكن … المرّة القادمة سأختار مقهى قريباً من الشارع العام.

تنظرُ السيّدة للطاولة المجاورة وتطلب من ذاك الرجل ولّاعة،  يناولها الرجلُ إياها بيده اليسرى، بينما يده اليمنى منشغلة بتمشيط شعره الطويل، والسيجارة تنحشر بثغره، كما يحشرُ جنودُ الأسدِ البوط العسكري بأفواه المعتقلين، وكذلك يفعلُ الثوار. بعد ثوان، يسقط فتيل التبغ المحترق كقطعةٍ واحدة، فيقهقه الرجلْ ويصرخ: سقط البوط العسكري، سقطَ الأسدْ، سقط الثوار.

تحولت عيني إيمّا فجأة لدائرتين، إثر الصدمة من كلام ذاك الرجل، لكنّها قالت في نفسها: ربما هو محق، بلى هو محق. مضت نصف الساعة الأولى بأحاديثٍ عامّة عن هذه المدينة وطبيعة الأكل، والطقس، ونوعُ القطن المستخدم بالألبسة الداخلية، ثم ساد الصمت، وكأن الكلام إنتهى.

– لقد اغتصبوني طيلة تسعة أيام متتالية، كانوا ثلاثة عساكر وضابط…. أشعر بالقرفِ تجاه نفسي، لقد كنتُ أضع أحمر شفاهٍ ذاك اليوم… لم أكن أعلم أن الضابط المناوب سيراني، لكنّي كنت فقط أحاولُ أن أخرجَ من ذاك القرفْ بقلم الحمرة… أنا السبب، لولا الحمرة ما كانوا اغتصبوني. نعم أنا… أي أنا السبب، لولا إثارة المرأة مااغتصبها الرجال. لكن المجتمع سافل، والله سافل، لا أحد يهتم بالمرأة المغتصبة، لا أحد يقبلُ أن يتزوجها، حتى أهلها يتبرؤون منها.

تصرخ السيّدة على الكرسي المقابل، حينما يعبر من تحت الكرسي، قطُ ذكر يلاحق قطة… تصمت إيمّا قليلاً وكأنما هناك ثمة قطة مغتصبة.

– لا أحد ينجو من الاغتصاب في هذا البلد ياربي حتى القطط.

يقاطع صوت إيمّا صوت الرجل صاحب الولّاعة..

– ولا حتى الرجال. حتى الرجال يغتصبون في بلدك ياسيدتي، ومن قبَل الجميع، نعم الجميع، لكنّ الطامّة الكبرى، أنكِ تستطيعين أن تروي لصديقتك أنك مغتصبة، هل سمعت رجلاً روى لأحدٍ أنّه مغتَصبْ.

يقفُ الرجل، يرفعُ بنطاله، يعدّل قميصه، يقترب من الطاولة، يحملُ ولّاعة السجائر، يخرجُ من باب المقهى، وهو يقهقه ساخراً، ويقول:

–  في هذه البلد حتى الرجل مغتصب، ويبحثون عن حقوق القطط.

 
تعليق واحد

Posted by في 6 جوان,2015 بوصة غير مصنف